22
13

القاديانية: حركة باطلة معادية للإسلام

تاريخ النشر : 05 2015 - 11.01:43 ص

القاديانية حركة باطلة معادية للإسلام ([1])

 

القاديانية فرقة تقوم معتقداتها على الضلال والانحراف ومنذ وقت مبكر حاولت هذه الفرقة التعبير عن حقد أصحابها على الإسلام بكتابات ما فتئت تظهر بين الحين والآخر مشوهة مفاهيم الإسلام وتاريخه.

 

إن الشغل الشاغل للقاديانيين كان يتمثل في إثارة الشكوك والتفسير الخاطئ للنصوص الشرعية سواء منها ما ينص على الجهاد أو غيره، وكانوا يسعون إلى زرع الفتنة بين المسلمين وبين المسلمين وغير المسلمين في محاولة لتنفيذ السياسة الاستعمارية في زرع الفرقة والشقاق.

وقد يكون من المفيد أن نعلم بأن الكيان الصهيوني كان له نصيب في الاستفادة من نشاطات هذه الفئة الضالة المرتدة عن الإسلام وهناك من يؤكد بوجود مركز قادياني في داخل الكيان الصهيوني لذلك من واجب المسلمين في كل عصر ومصر أن ينتبهوا لأمر كل دعوة وادعاء خوف أن يدخل في باب ما هو شبيه بالقاديانية.

نشأة القاديانية:

ظهرت الدعوة القاديانية في النصف الثان من القرن التاسع عشر في بلاد الهند وشغلت هذه الأمة الإسلامية وما زالت بأفكارها ونشاطها الذي تجاوز حدود وطنها إلى أنحاء كثيرة من العالم الإسلامي وبخاصة المناطق النائية والبعيدة منه حيث يكون أبرز نشاطها حينما تنفرد بالدعوة باسم الإسلام في هذه المناطق خاصة في أمريكا وأفريقيا ومناطق أخرى. وصاحب هذه الدعوة هو ميزار غلام أحمد القادياني الذي ادّعى أنه مصلحٌ ومجددٌ، ثم مهديّ ومسيحٌ موعودٌ، وأخيراً ادعى أنه نبيٌ ورسولٌ.

ولد غلام أحمد في مدينة قاديان في بلاد البنجاب في الهند في سنة 1835 وكان والده يعمل طبيباً أو عرافاً، وكان غلام أحمد يفتخر بعمل أبيه ويقول: إنه تعلم من أبيه علوم التنجيم. وقد تلقى غلام أحمد مبادئ العلم وقرأ كتب المنطق والفلسفة والعلوم الدينية في قاديان، واشتغل غلام أحمد في أول حياته موظفا عمومياً في بلدة سيالكوت، ثم استقال من خدمة الحكومة، واتجه إلى العمل في خدمة البعثات التبشيرية المسيحية، وتوسمت هذه البعثات في ميزرا شخصاً تجعله مخلب قط ّبالنسبة لسياستها التبشيرية، فجعلت منه شخصية محبوبة في محيط المسلمين وألفت حوله المديدون.

وفي أول ظهور لغلام أحمد بدعوته كان كرجل داعية عندما أعلن في عام 1884 أنه مجدد الإسلام، واستند في ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: إن الله يبعث بهذه الأمة كل مائة سنة رجلاً يجدد لها دينها، واعتبر نفسه أنه رجل المائة الأخيرة.

ولما بلغ الأربعين ادعى بداية هبوط الوحي عليه، حيث قال إنه دخل على الرسول في حجرة فقال له الرسول: ما هذا بيمينك يا أحمد؟ فقال: فنظرت فإذا كتاب بيدي اليمين وخطر بقلبي أنه من مصنفاتي فقلت: يا رسول الله، اسمه قطب. قال: أرني كتابك القطبي. وبينما أنا في هذا الخيال فإذا الميت جاءني حياً وهو يسعى، وقام وراء ظهري وفيه ضعف كأنه من الجائعين فألقى الله في قلبي أن الميت هو الإسلام وسيحييه الله على يدي بفيض روحانية.

وفي عام 1888 أعلن أنه المرشد الذي يهدي الأمة الإسلامية ثم أعلن بعد ذلك أن روح المسيح وروح محمد قد حلت في جسده وعلى هذا فقد ادعى أنه نبي ورسول وقد حاول غلام أحمد أن يوهم المسلمين أن له معجزاتٍ كسائر الأنبياء، ومن أضاليله في هذا الشأن أنه ادعى أنه يستطيع معرفة موعد الخسوف والكسوف، وكان الإنجليز هم الذين يمدونه بحسابات هذه الظواهر الفلكية التي لم تكن معروفة في الهند آنذاك، حيث أن معرفة موعد الخسوف والكسوف من الأمور العلمية التي يستطيع أي إنسان معرفتها عن طريق بعض الحسابات، وقد كانت صحة غلام أحمد معلولة، فكان غير طبيعي وكان يعاني من اضطرابات تؤثر على سلوكه وحركاته وكان مصاباً بالهستيريا.

وقد توفي غلام أحمد عام 1908 عندما أصيب بوباء الكوليرا برغم الجهود الجبارة التي بذلتها الحكومة الإنجليزية لعلاجه، وقد دفن غلام أحمد في قاديان التي سماها اتباعه مقر النبي العظيم، وأصبحت قاديان مكاناً مقدساً يحج إليها القاديانيون من كل مكان.

هذه نبذة تاريخية عن حياة غلام أحمد مؤسس الفرقة القاديانية الضالة وسنتكلم الآن عن الظروف التي نشأت فيها الدعوة القاديانية في بلاد الهند.

لقد مر المسلمون في بلاد الهند في محنة كبيرة في بداية القرن التاسع عشر وخاصة في إقليم البنجاب حيث قام السيك في تلك الأثناء وفي ظل السيطرة الاستعمارية باضطهاد المسلمين والتنكيل بهم وتجرأوا على تعطيل الشعائر الدينية وإغلاق المساجد الإسلامية وقويت شوكتهم وزاد ظلمهم للمسلمين.

وفي هذه الأثناء بدأ المسلمون يسعون إلى توحيد صفوفهم بزعامة المجاهد أحمد بن عرفان الذي دعا الناس إلى العودة إلى الدين الصحيح وقام بمحاربة البدع والشرك، ودعا المسلمين إلى الجهاد في سبيل الله ونشبت المعارك بين المسلمين والسيك وكان النصر حليفا للمسلمين وقد نجح المجاهد أحمد بن عرفان وغيره أيقاظ الوعي الإسلامي من سباته واستطاع أن يلهب شعلة الجهاد والفداء وبث روح النخوة الإسلامية والحماسة الدينية في صدور المسلمين وقد سارت على نهج هذه الحركة سائر الحركات الإسلامية في بلاد الهند. وقد كانت الهند في ذلك الوقت تقع تحت نير الاستعمار البريطاني حيث ارتكب الإنجليز فظائع كبيرة ضد الهنود فانفجرت ثورة 1857 والتي كادت أن تقضي على أطماع الإنجليز في هذه البلاد وقد كان المسلمون في طليعة المشاركين في هذه الثورة وأذاقوا الإنجليز مرارة الهزيمة ولكن الإنجليز استطاعوا أن يقضوا على هذه الثورة عن طريق القمع بكل قوة وعنف.

وأدرك الإنجليز بعدها أن الخطر الحقيقي الذي يهددهم يكمن في الإسلام وبخاصة في مفهوم الجهاد ولذلك ركز المستعمر على تشويه هذا المفهوم ومحاربته بشتى الوسائل والأساليب، فأقام الإنجليز المدارس الأجنبية والتي لا تتوافق مع طبيعة المسلمين وثقافتهم وقاموا أيضاً باستقدام أعداد كبيرة من المبشرين والقساوسة الذين ملأوا البلاد لكي يقوموا بتنصير المسلمين بالإضافة إلى قيامهم بزعزعة ثقة المسلمين بدينهم عن طريق إثارة الشبهات حول الإسلام وملء نفوس المسلمين بالشك والريبة وقد استفحل خطر المبشرين والقساوسة في هذه الفترة في بلاد البنجاب في الهند فقام بالتصدي لهم عدد من علماء المسلمين للحد من خطورتهم. فكثرت المناظرات في هذه الفترة بين القساوسة وعلماء الإسلام حيث انتصر فيها العلماء المسلمون وظهرت قوة حجج الإسلام أمام خصومه.

ولكن تلا هذه الفترة من المناظرات كما يقول أبو الحسن النووي: قلقل في النفوس وبلبلة في الأفكار والعقائد واتسع الخلاف بين الفرق الإسلامية وتحمست كل فرقة إسلامية في الرد على غيرها وكثرت المناظرات والمجادلات التي أدت في بعض الأحيان إلى المضاربات والمحاكمات، وحمي الوطيس وعنف الصراع وكل ذلك أحدث قلقاً فكرياً وأضعف حرمة الدين ومهابته، وحط من مكانة العلماء وكرامتهم. ونشط في هذه الفترة محترفو التصوف في نشر شطحاتهم وإلهامهم وكثر المتطفلون والأدعياء وكثرت الاتهامات والتنبؤات والمنامات.

وكان كل هذا الذي يحدث في الهند في هذه الفترة يسير على مصلحة الإنجليز ولذلك قام الإنجليز بتشجيع هذه المناظرات والمجادلات والدعوات؛ لأنها تحدث الاضطراب الفكري والخلقي في البلاد وتبعد الأنظار عن الخطر الحقيقي الذي يتهدد البلاد عن طريق شغل الناس في قضايا فرعية وفارغة.

في ظل هذا الجو من البلبلة والاضطراب الفكري، هيأ غلام أحمد نفسه للدخول في معركة المجادلات والمناظرات والتي ستكسبه النصر والصيت البعيد، حيث أن من كان يقوم للدفاع عن العقيدة الإسلامية والرد على أصحاب الديانات الأخرى في هذه الفترة كان محل إعجاب وتقدير المسلمين ومعقد أمالهم ومن هنا بدأ غلام أحمد يؤلف كتاباً في إثبات فضل الإسلام والرد على الديانات الأخرى في الهند كالمسيحية والأوردية والبرهمية. وقد سمي هذا الكتاب ( براهين أحمدية ) وقد قام بعمل دعاية كبيرة لهذا الكتاب حيث دعا المسلمين للتبرع لتغطية تكاليف طبع هذا الكتاب.

ويظهر أن هذا الكتاب قد جاء في أوانه، وأن المؤلف كان بعيد النظر في إثارة هذا الموضوع الذي يشغل المسلمين وكانوا يجلون كل من ينهض له وينظرون إليه كبطل من أبطال الإسلام وقد أحسن غلام أحمد الدعاية لهذا الكتاب فأحدث دويا في الأوساط الإسلامية وكان التحدي من أكبر أنصار هذا الكتاب كما يقول أبو الحسن النووي.

ثم ألف غلام أحمد كتابا آخر في مناظرة الديانة الأردية والرد عليها، وقد كان لهذين الكتابين صدى عميق في الأوساط الإسلامية وغير الإسلامية وعن طريقهما عرف غلام أحمد قيمته وجعل يشعر بخطره وتأثيره وإمكانيات نجاحه ونشأ فيه اعتزاز بنفسه ورأيه واعجاب بشخصيته، وكان كل ذلك نقطة تحول في حياته من الخمول إلى الظهور ومن التواضع إلى الكبرياء ومن مناظرة المسيحيين والأورديين إلى دعوة المسلمين ومناظرتهم وتحديهم.

وغلام أحمد خلال هذه الفترة لم يفصح عن نواياه الخبيثة بل كان يعتبر نفسه داعية أو مجدداً بالرغم من ولائه للإنجليز في هذه الفترة والتغني بفضلهم على المسلمين.

ولكن التحول الخطير في مجرى دعوته يتضح من خلال الرسالة التي أرسلها له الحكيم نور الدين الذي يذهب كثير من الباحثين إلى أنه صاحب الفكرة والتصميم في الحركة القاديانية، فقد اقترح نور الدين على غلام أحمد أن يدعي أنه المسيح الموعود ويبدو أن الميرزا كان متردداً في البداية ولكنه قبل هذه الفكرة وأعلن في سنة 1891 أنه المسيح الموعود.

ويذهب البعض إلى أن فكرة دعوة غلام للادعاء بأنه المسيح الموعود وهي من صنع الإنجليزي ووحيهم وإيعازهم فإنهم أرادوا استغلال هذه العقيدة لخدمة مصالحهم في العالم الإسلامي وربما هذا هو ما يفسر دفاع أحمد عن الإنجليز وسعيه إلى تحقيق أعظم أهدافهم وهو إنهاء فريضة الجهاد.

وما أن أعلن غلام أحمد بأنه المسيح الموعود بدأ في نشر ضلالاته بين المسلمين عن طريق تفسيراته الغربية للقرآن والأحاديث النبوية لكي يؤيد وجهة نظره فيما يريد الوصول إليه. ومن أقوال غلام أحمد الضالة هو ادعائه أن روح المسيح قد حلت فيه وأن ما يلهمه هو كلام الله كالقرآن والتوراة والانجيل وأن الله قد أوحى إليه بآيات تربو على عشرة آلاف آية، وأن قاديان هي البلدة المقدسة المكني عنها في القرآن بالمسجد الأقصى والثالثة بعد مكة والمدينة وأن الحج إليها فريضة.

هذا بالإضافة إلى أن غلام أحمد كان يزعم بأنه هو المراد من الحديث الوارد في نزول المسيح ابن مريم عليهما السلام حيث يقول: وأن المسلمين والنصارى يعتقدون باختلاف يسير أن المسيح ابن مريم قد رفع إلى السماء بجسده العنصري وأنه ينزل من السماء. وقد أثبت في كتاب فتح الإسلام أنها عقيدة خاطئة وقد شرحت أنه ليس المراد بالنزول هو نزول المسيح بل هو إعلام على طريق الاستعارة بقدوم مثيل المسيح وأن هذا العاجز يعني نفسه هو مصداق هذا الخبر حسب الأعلام والإلهام.

ومن ضلالاته هو تفسيره لمعنى خاتم النبيين التي وردت في الآية الكريمة "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين" فقد وقف غلام أحمد أمام هذه الآية حائراً؛ لأنها تسد أمامه الطريق في ادعاءه النبوة فحاول تأويل الآية على معنى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو أفضل النبيين أو سيد النبيين أو الطابع والخاتم الذي يطيع به كافة النبيين من بعده.

فقد جاء غلام أحمد بعد أربعة عشر قرناً من الزمن ليخبر المسلمين أن فهمهم لمعنى هذه الآية خاطئ، وأنه وحده هو الذي استطاع فهم معناها الحقيقي ومن الواضح أن معنى الآية واضح في غاية الوضوح حيث أجمع علماء اللغة والتفسير على أن معنى خاتم النبيين هو آخرهم الذي لا نبي بعده مصداقاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي" رواه الترمذي

ولعل من أخطر ضلالات غلام أحمد هو دعوته إلى إلغاء الجهاد وموالاة الأعداء، حيث يقول: لقد ألغي الجهاد في عصر المسيح الموعود إلغاءً باتاً أن الجهاد للدين يحرم في عهد المسيح فيحرم الجهاد في هذا اليوم وكل من يرفع السيف للدين ويقتل الكفار باسم الغزو والجهاد يكون عاصياً للسنة ولرسوله.

ففي هذا الوقت العصيب الذي كانت تمر به الأمة الإسلامية والمسلمين في الهند والتي كانت في أحوج ما تكون إلى داعية يجمع شملها ويوحد صفوفها ضد العدو الغاصب، طالب غلام أحمد بإلغاء الجهاد ونسخه، وليته اكتفى بذلك، بل طالب بمهادنة الإنجليز وتجليلهم لما لهم من فضل على المسلمين، فيقول في ذلك: إنه لا يحل الجهاد أصلاً ضد الحكومة الإنجليزية التي أحسنت إلينا بل بالعكس من ذلك يجب على كل مسلم أن يطيع هذه الحكومة بكل إخلاص وقد اتفقت على طبع هذه الكتب أحد الأديرة، وأرسلتها إلى البلاد الإسلامية وأنا عارف أن هذه الكتب قد أثرت تأثيراً عظيما في أهل هذه البلاد.

وقد كان غلام أحمد شديد الولاء للإنجليز وهم يومئذ المحتلون الغاصبون لبلاده وكان يسلك كل طريق لإظهار الولاء والطاعة والوفاء لهم حتى قال: لقد ظللت منذ حداثة سني ______ وقدامي؛ لأصرف قلوب المسلمين إلى الإخلاص للحكومة الإنجليزية والنصح لها والعطف عليها، وأسثني فكرة الجهاد التي يدين بها بعض جهال المسلمين والتي تمنعهم من الإخلاص للإنجليز، وأنا مؤمن بأنه كلما كثر عدد أتباعي قل شأن الجهاد، ويلزم من الإيمان بي أنني مسيح أو مهدي إنكار الجهاد. وقد ألفت الكثير في تحريم الجهاد ضد الإنجليز الذين أحسنوا إلينا والذين يجب علينا طاعتهم بكل إخلاص.

وهذا الذي يقوله غلام أحمد ليس بمستغرب أن يصدر عنه، فأغلب الباحثين يؤكدون أن القاديانية هي وليدة السياسة الإنجليزية في الهند، ولهذا حمى الإنجليز دعوة غلام أحمد ومكنوه من نشر دعوته، وأمدوه بالأموال اللازمة لذلك، ويكفي أن نعرض لاعتراف غلام أحمد نفسه الذي يعترف فيه بأنه من غرس الإنجليز حيث يقول: والمأمول من الحكومة أن تعامل هذه الجماعة التي هي من غرس الإنجليز أنفسهم ومن صنائعهم بكل حزم واحتياط وتحقيق ورعاية وتوصي رجال حكومتها أن تعاملني وجماعتي بعطف خاص ورعاية فائقة.

وكان من المعروف عن غلام أحمد هو كثرة مناظرته مع القساوسة والمبشرين. وكان يقول في تعليل حدة وعنف قد يعتريه في الرد عليهم: لقد غلا بعض القساوسة والمبشرين في كتاباتهم، وجاوزوا حد الاعتدال، ووقفوا في عرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخفت على المسلمين الذين يعرفون بحماستهم الدينية أن يكون لهم ردة فعل عنيفة، وأن تثور ثائرتهم على الحكومة الإنجليزية ورأيت من المصلحة أن أقابل هذا الاعتداء بالاعتداء حتى تهدأ ثورة المسلمين وكان كذلك.

وهكذا فإن حدة وعنف غلام أحمد في مناظرته مع القساوسة والمبشرين لم تكن نابعة عن غيره ودفاع عن الإسلام؛ بل لأنه خاف أن يثير هجوم القساوة على الإسلام حماسة المسلمين، ويزيد من كراهيتهم وحقدهم على أسياده الإنجليز، ولذلك هب لمواجهة القساوسة من أجل عيون الإنجليز.

 

نشاط الطائفة القاديانية بعد وفاة غلام أحمد

انقسم أتباع غلام أحمد بعد وفاته إلى شعبتين الأولى هي شعبة قاديان والثانية هي شعبة لاهور. وشعبة قاديان بقيت محافظة على تعاليم غلام أحمد وتُصر هذه الطائفة على أن غلام أحمد هو المسيح الموعود وهو نبي ورسول. وقد استقر أتباع هذه الطائفة في منطقة تعرف بالربوة في أقليم ( جانج ) في البنجاب بعد أن أصبحت قاديان بلدة مهجورة بعد أن تركها أهلها إلى باكستان بعد انقسام القارة الهندية.

أما الشعبة الأخرى فهي شعبة لاهور، وهي أشد خطرا من شعبة قاديان ومن أبرز زعمائها محمد علي صاحب ترجمة القرآن الكافرة.

وهذه الشعبية تتميز بأن آراء أصحابها غير واضحة، فمرة يقولون عن غلام أحمد إنه مجدد وليس نبياً، ومرة يقولون عنه إنه المسيح الموعود. وأصحاب هذه الجماعة يتصفون بالغموض والمراوغة كما أنهم نهجوا نهج الإقلال من التعاليم القاديانية في نشر مذهبهم وتحروا السهولة في عرضها لتحوز القبول لدى جماهير المسلمين.

وقد اتسم نشاط هذه الجماعة بالتنظيم والفاعلية وخاصة في ميادين الطبع والعمل الدعائي المنظم ومن ضلالاتهم هو قولهم أن المسيح عليه السلام لم يولد من غير أب وزعيمهم محمد علي يصرح بأن سيدنا عيسى عليه السلام هو ابن يوسف النجار وأن مريم كانت متزوجة به.

ويجب ملاحظة أثر اليهود في هذا الرأي حيث أن هذا الرأي هو أساساً من مفتريات اليهود على سيدنا عيسى وأمه مريم عليهما السلام، حيث وصف القرآن قول اليهود هذا بقوله تعالى: "وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً". وزعماء الفرغ اللاهوري يلحون على أن غلام أحمد لم يدع النبوة، ويفسرون ذلك بأنه مجازات لغوية ويكابرون في ذلك اللغة والواقع، ولهذا فإن القاديانيين يلقبونهم بالمنافقين؛ لأنهم يحاولون الجمع بين الانتساب إلى مؤسس الجماعة غلام أحمد وإرضاء الجماهير.

ومحمد علي صاحب ترجمة القرآن الكافرة يلقب غلام أحمد بحجة القرن العشرين والمصلح الأكبر، وزيادة على ذلك يعتقد أنه المسيح الموعود ويصف غلام أحمد بأنه مسيح هذه الأمة. وقد غلب على تفسير محمد علي في ترجمته للقرآن الاتجاه العقلي الصرف في التفسير وهروبه من كل شيء يتطلب الإيمان بالغيب وبالقدرة الإلهية، وبالمعجزات، متجهاً بذلك نفس اتجاه الحركات الباطنية والإسماعيلية في التفسير.

وقد روجت القاديانية لترجمة محمد علي للقرآن ترويجاً شديداً في العالم الإسلامي، ولكن صدرت فتوى من رابطة العالم الإسلامي في مكة بتاريخ 28 نوفمبر 1972م تبطل هذه الترجمة وتحذر المسلمين منها ومن غيرها.

 أما عن نشاط القاديانية فيقول أبو الحسن النووي: إنه لا يرى لها نشاطاً إلا في المناظرات وإثارة الشكوك والشبهات في المسلمين وتأييد السياسة الإنجليزية ونشر الدعاية لعقيدتها الخاصة في الهند وخارج الهند.

وقد ألف أبو الأعلى المودودي رسالة في الرد على القاديانية، حيث بين موقف الإسلام من هذه الفرقة الضالة، وطالب بمعاملة القاديانية كأقلية غير مسلمة في باكستان. ويقول المودودي عن ناشطهم: إنهم يلجون في صفوف المسلمين وكأنهم منهم وينشرون فكرتهم ويدعون إلى طريقهم ومبادئهم ويناظرون الناس ويجادلونهم باسم الإسلام ويسعون سعياً متواصلاً في تحطيم أجزاء الأمة المسلمة وضمها إلى مجتمعهم.

وقد حارب محمد إقبال نشاط هذه الطائفة الضالة؛ لأن نشاطهم اقتصر على إثارة المناقشات الدينية والمباحثات حول موت المسيح وحياته ونزوله، ونبوة غلام أحمد المزعومة مما لا اتصال له بالحياة العامة للمسلمين.

وهكذا بقي القاديانييون ولا زالوا مشتغلين بالمناظرات وإثارة الشكوك والشبهات في المسلمين وفتنتهم عن دينهم وخدمة المخططات الاستعمارية.

وإذا كان غلام أحمد وأتباعه قد ارتضوا على أنفسهم أن يكونوا ألعوبة في يد السياسة الإنجليزية في بلاد الهند فإنه ليس من المستغرب أن ينحو أتباعه في هذا الوقت نفس المنحى والاتجاه، فتعاونهم الوثيق مع الصهيونية العالمية لمساعدتها في تحقيق أهدافها التوسعية في المنطقة العربية والإسلامية ازدادت حدته وحذر الكثيرون من خطره.

فالعلاقات بين الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة والحركة القاديانية راسخة وقوية حيث تلقى الحركة القاديانية من العدو الصهيوني كل دعم وتأييد في ترويج أباطيلها ضد المسلمين. وليس أدل على ذلك مما أوردته مجلة أرض الإسراء في العدد 104/ نيسان 1987 من أن رئيس الكيان الصهيوني هيرتزوغ استقبل رسمياً رئيس المركز القادياني في حيفا وقد تبرع الكيان الصهيوني بمبلغ 18 مليون دولار أمريكي للمركز القادياني في حيفا وقد حضر اللقاء المدير السابق لجهاز المخابرات الصهيونية (الموساد)

وإذا تركنا الكيان الصهيوني وذهبنا إلى جنوب أفريقيا فإننا سنجد أن هذه البلاد أصبحت أرضاً خصبة لنشاط الطائفة القاديانية الضالة في ظل حماية النظام العنصري هناك. فحكومة جنوب أفريقيا تعامل الطائفة القاديانية كفرقة إسلامية بالرغم من احتجاج المسلمين هناك على هذا الوضع عن طريق المحاكم إلا أن الحكومة هناك اعترفت بهم كمسلمين.

 

 

[1] جريدة الوحدة الاماراتية 25/2/1988