22
13

[عرض كتاب] تاريخ العلاقات اليهودية الإسلامية/ تأليف: زياد منى

تاريخ النشر : 29 2015 - 21:10:02 م

هذا الكتاب -الصادر في آن باللغتين الإنجليزية والفرنسية- طموح في محتواه، ويمثل باكورة ما كتب في موضوعه وفق ما يؤكده محرراه.

فتاريخ العلاقات اليهودية الإسلامية -موضوع الكتاب- على جانب كبير من التعقيد، ونمو الصهيونية وهيمنتها الإعلامية والتنظيمية في المقام الأول على المشهد "اليهودي"، يمثل إشكالا بسبب التداخلات السياسية والفكرية ومحاولتها فرض نفسها على التاريخ ومنهجية البحث العلمي.

- العنوان: تاريخ العلاقات اليهودية الإسلامية
- تحرير: عبد الوهاب مدب، وبنجامين ستورا
- عدد الصفحات: 1146
- الناشر: برنستون يونيفرستي برس، برنستون/أوكسفورد
- الطبعة: الأولى 2013

المحتوى العام الثري بالمصورات التي بلغ عددها أكثر من 250 صورة، قسمه محررا الكتاب -الذي شارك في كتابته على نحو منفصل 12 متخصصا معظمهم أكاديميون أوروبيون من الناطقين باللغة الفرنسية- إلى أربعة أجزاء هي:

أ) القرون الوسطى، ويضم مدخلا وثلاثة فصول هي: ظهور الإسلام، في ديار الإسلام، تحت ظل المسيحية.

ب) العالم الحديث، ويضم مدخلا وأربعة فصول تتناول المادة وفق تقسيم جغرافي على النحو الآتي: أراضي الإمبراطورية العثمانية (بين القرنين الـ15 والـ19)، آسيا والشرق الأوسط، العلاقات مع العالم الغربي.

ج) الحاضر، ويضم مدخلا وستة فصول تتناول المادة من منظور سياسي كما يلي: بدايات الانفصال، مواجهة النازية، التمزق الكبير في الشرق الأوسط، فضاءات التعايش، حوارات متوترة، النظر إلى الآخر.

د) التقاطعات، ويضم مدخلا وثمانية فصول تتناول المادة في ميادين مختلفة هي: الكتب المؤسِّسة، نظرات معكوسة، لغات معكوسة، ديانتا الشريعة، فلسفة، علوم، حركات نخبوية، الصوفية، الفن والأدب، الذاكرة والتاريخ.

محررا الكتاب خصصا أقل من ثلاثمائة صفحة -من مجموع يزيد عن 1100- للجانب التاريخي الذي يغطي نحو 14 قرنا، وهو أقل من القسم السياسي، أي الجزء الثالث الذي يغطي مرحلة لا تزيد عن قرن واحد.

من غير المفهوم لنا -من منظور علمي خالص- منح الجزء السياسي فضاء يساوي التاريخي، ولم نعثر في المؤلف على تفسير لهيمنة السياسة على التاريخ، لأن عنوانه تاريخ العلاقة وليس إشكاليات الحاضر من منظور سياسي وفكري.

المحرران أكدا انحيازهما صراحة إلى إقحام السياسي في التاريخ، وسوّغا ذلك بعدم إمكانية فصل الأول عن الثاني بحجة أن البعد السياسي للعلاقة لا يمكن تجاوزه.


في ظننا أن هذا ممكن فقط إن كان الخطاب الصهيوني الناطق الوحيد باسم "يهوديات" العالم، وهذا غير الواقع المعاش.

مرة أخرى، هذه المقاربة تعكس انحيازا سياسيا وفكريا، آخذين في الاعتبار قول المحررين في مقدمتهما أن الكتاب -رغم أكاديميته- صيغ على نحو يجعله مرجعا لغير الأكاديميين أيضا.

وهذا ما يعني أن الكتاب يحوي رسائل سياسية محددة، وهذا -كما نرى- أمر لا يجوز في الأعمال التاريخية.

فعلى سبيل المثال، استعمل أحد المساهمين فيه مصطلحات سياسية وفكرية غير محايدة، ومن ذلك على سبيل المثال "حرب الاستقلال" للإشارة إلى مؤامرة تقاسم فلسطين عام 1948 بين أنظمة سايكس بيكو العربية والحركة الصهيونية وأصولها الدولية الرئيسية، أي بريطانيا والولايات المتحدة.

المصطلح الآخر الذي نود لفت الانتباه إليه إشارة بعض المساهمين إلى فلسطين باسم إسرائيل، والمعلوم أنه في الخطاب العلمي لا يجوز خلط السياسة والمواقف السياسية بالتاريخ.

فاسم الأرض لا يتغير وهذا أمر بديهي ومن ألفباء علم التاريخ، وإسرائيل اسم الدولة أو الكيان القائم فيها الآن، ولا يمكن لكيان سياسي فرض نفسه على الأرض لأن اسمه يمحى بزوال حامله، وهذا أمر حتمي.

هذه بعض ملاحظاتنا على مزج السياسي والفكري بالتاريخ والعلم.

كتب أحد المحررين في المقدمة أن هذا السفر في المقام الأول إعادة توحيد أو استعادة -ضمن أمور أخرى- لروابط تاريخية عاطفية وقمعية قديمة بين المسلمين واليهود، دامت وفقه 14 قرنا.

في الوقت نفسه، فإنه يسائل بعض ما يعدّ من البديهيات في هذا المجال، نافيا بعضها ورافضا بعضها الآخر.

لا شك أن هذا الكتاب -الموسوعي في بعض أجزائه- مفيد من منظور احتوائه على معلومات عن شخصيات وأحداث ربما لم يسبق تناولها من قبل في الغرب على ضفتي المحيط الأطلسي.

ومن منظورنا -كقراء عرب- يمدنا الكتاب بمعلومات مرجعية سريعة، لكن العمل الموسوعي الكبير للراحل الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري أهم -بما لا يُقاس- للقارئ العربي المتخصص والعام، خصوصا من منظور كونه يحوي نظرات نقدية مسوغة علميا، وكون المؤلف الراحل منسجما انسجاما تاما مع موضوع بحثه، دون أي انحياز سياسي، مراوغا كان أو صريحا.

من الملاحظات العامة الأخرى لدينا على الكتاب هو نظرته غير النقدية للجانب "اليهودي". في ظننا أنه وجد أكثر من "يهودية" واحدة، وهذا ما شدد عليه الكُتَّاب "اليهود" الذين كتبوا عن العرب اليهود، وفي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر على نحو خاص.

والبحاثة الأوروبيون من غير اليهود -والبروتستانت على نحو خاص- الذين كتبوا عن الموضوع في القرن التاسع عشر وقبله، ممن تيسر لهم إما زيارة بلاد العرب الشامية واليمانية والشمال أفريقية، لاحظوا الاختلافات بين يهود أوروبا والعرب اليهود، خصوصا في اليمن.

فقد كتبوا أنهم لا يعرفون التلمود ولا يعترفون به، وعلاقاتهم بيهود أوروبا شبه مفقودة، أي عدم وجود مرجعية مركزية "لليهودية" كما هو الحال الآن.

نظرة بعض أولئك البحاثة -الذين تسنى لنا الاطلاع على مؤلفاتهم- للعرب اليهود كانت دونية، تماما مثل نظرة الغرب المسيحي إلى المشرق المسيحي، الأرثوذكسي خصوصا.

والرحالة بنيامين التطيلي (1130-1173) الذي استُشهد بمؤلفه "رحلات" في هذا الكتاب، يشير إلى ذلك على نحو واضح عندما يذكر الطوائف "اليهودية" في المناطق التي مر بها من بلدته الإسبانية في طريقه إلى المشرق العربي، مرة بكونها "يهودية" وثانية بكونها من بني إسرائيل، والترجمة العربية الصادرة حديثا لمؤلفه غير دقيقة إطلاقا من هذا المنظور.


نحن نعلم أنه في التاريخ وجد الأشكناز، وهم الخزر، أصول يهود أوروبا، والعرب اليهود الذين يطلق عليه مصطلح السفارديم، والقرائيون الذين تسيدوا المشهد "اليهودي" في المغرب، وغيرهم.

العرب اليهود لم يعرفوا سوى الأسفار الخمسة الأولى من "التوراة"، التي تحوي أكثر من عشرين سفرا. هذا لم نعثر عليه مفصلاً في المؤلف.

والسؤال: من اليهودي؟ تجنبه المؤلف، وهو مادة متفجرة فعلا في وقتنا الحاضر، رغم محاولات تجنب الكلام فيها، حيث تثير بعض الاتجاهات "اليهودية" في الغرب السؤال من منظور هيمنة عددية للحريديم -أي المتدينين- على غيرهم، والذين عادة ما يشار إليهم بالمصطلح "عَلمانيين". كل هذا كلام مهم وإشكالي تجنبه الكتاب الذي أقحم السياسي في التاريخ.

لا نظن أن الكتاب سيفيد القارئ الغربي العام بسبب إشكالية المادة والموضوع وأبعاده، وكون الخطاب المرتبط بها مثقلا بتاريخ غير سعيد، يتعرض لبعض جوانبه، لكنه سيعد مرجعا أكاديميا، وسيتمكن في ظننا من حجز مكان خاص به في المكتبات العامة والأكاديمية التي لا حصر لها في الغرب.

فحجمه الضخم ووزنه يؤثران في ظننا سلبا في مدى توزيعه وإمكانية جذب القارئ العادي، لكن ربما تتمكن نسخة رقمية من امتلاك الفضاء الذي سعى إليه القائمون عليه.

ختاما، الكتاب مفيد في بعض أجزائه، ومصوراته جذابة خصوصا أنها نادرة وربما مجهولة للبحاثة العرب، لكنه موسوعي على نحو عام يحوي مواد لافتة ومفيدة لأهل الاختصاص.

وربما تفيد إشكاليته في أطروحاته السياسية والفكرية النقاش في المادة، إن استقامت النوايا.

هو مفيد من ناحية علمية، خصوصا الجزأين الأول والرابع، لكن قسميه الثاني والثالث -وهما المهيمنان عليه- مثيران للجدل، وقد يرى البعض أن هدف نشر هذا "التاريخ" على هذا النحو فرض هيمنة الخطاب السياسي على العلمي، وهو ما ترفضه المناهج العلمية في العلوم الإنسانية.