22
13

بنات الرّيح … المقدسيّات / أحمد الشمام

تاريخ النشر : 26 أكتوبر 2015 - 21:24:44 م

بنات الرّيح … المقدسيّات


أحمد الشمام


بنات الريح الضابحات في كل آن والعاديات لينهضن بركام رجولتنا المعفر بالغبار الفلسطينيات على أكتافهن جرار أكناف بيت المقدس ينثرن ماءهن ندى على الجباه في غياب من يحمل الرايات.
المقدسيات اليبوسيات سليلات نينورتا ذوات الأعناق السومرياتِ حملن جرارًا بين نهرين وعبرن إلى بحر يافا وأرسلن أليسار فينيقيا لتبني قرطاجة نجمةً للهلال الخضيب.
لم يمتشقن قدَّ أنوثتهن من عقولنا المتخمة بالأسرِّة، بل افترعن قاماتٍ من عوسج البدوية إذ تحمل رمحًا وتعوي كذئاب الليل في قبح ذكورتنا.
نحرس نحن الذكورة من عنّتها، ونفرد لها عقولًا ومواعيد وقت طويل وها ندثرُ عنّة رجولتنا في سرير الوقت وفوضى الشعر وعبث القصيدة.
وهناك هناك خروج النص؛ نص الحياة وانفلات الروح من أعنّتها ليدّفق بين أصابعهن ماء وحجر.
لم يبُحن بتفاح الخطيئة كما قالت التوراة، بل بحكمة الحجرِ المُقدّس، واجترحن شعلة من فتات ماتبقى من أسطورة جالوت إذ مات بحجر داوود؛ وداوود لنا!
الفلسطينيات الفينيقيات إذ يرخين شعورهن للريح ليأتي الموج أسرابا يحج ليافا يدرك أسرار التيمم برمل حيفا، أولمن لمقصلة الموت أنوثةً وكحلًا ونثرن وردهن شالًا على صدر الريح فباح بهن قصبًا وناياتٍ. لهن ارتفاع النبض، توثُّبُ إيقاعة الخبب في سيمفونية نينوى، فتعدو الخيل بقلوبٍ يجرحُها وتر لتنقله من بحر طويل إلى نهايات المدى وتسقط قواف وأبجديات.
الظبيات اللواتي هزمن ذئاب الخوف في وحشة المدن الخاوية من حفيف رجولتنا اللواتي سورن أقصانا بظفائرهن  أي حجر رمين به جدار الخوف ليتسع الافق؟
في استفاقة الصبح هن بنات آوى الذئبيات الأعين الطافحاتُ بالغيم الصاهلاتُ بالزغاريد والرجمِ؛ في الطريق إلى البيت يمشين مشي حبارى وقلوبهن تدق الهوينى، في المساء يحتسين القهوة مثل شعراء يتحدثون عن الثورة في المقهى
لهن نشيد أوروك؛ وكما يفرط طفل المدرسة ورق الدفاتر في نهاية الفصل نتخلص من واجباتنا في الغياب، نساء في عتمة الحرب والضحى ميدان الساهرين
الفلسطينيات يرابطن ويحاربن فلنزغرد يا رجال وخيام القبيلة مشرعة الجهات
عصبن غيمنا بشالهن الفلسطيني وبقين ، ونحن نمضي باشتهاء الحياة إلى العدم
لسنَ البرتغاليات اللواتي أبدعن الفادو في انتظار بحارة يتأخرون دوما
المقدسيات هشمن ساعة الوقت وتركن لنا وحشة الانتظار وأقفلن باب الأغاني الحميمة؛ أغنية «صوت الجرس لما يرن بمسمعي» تجاوزنها ووضّبن جمالهن لحين ونحن مازلنا نردد «هل تعبرين النهر يا ريتا» وريتانا المقدسية عبرت بحور الخوف ورمت مسودة القصيدة حجرًا يدمي الحقيقة وتصدح «سقطت قربك فالتقطني واضرب عدوك بي» لم ندرك شذرة مما قال درويش في الأنثى -الوطن الصغير وبقينا نحوم حول أنثى تحوم كجارية حول سرير الشهوات.
نمتطي خيول وهمنا في محاربة الهواء حينا ونغني «صلِّ لنا يا أم حين نذهب للحرب، قد لا نعود» ونغفل الشطر الأخير «في روحنا عتمة الموت عشب القبور وطين الأبد»
«يا خيا»، إنّ الزغاريد التي أُهرقت على رجالنا لم تعد تكفي. تقول يافا، المرأة المدينة والوطن المسمى بامرأة، ما الحياة إلا شبهة نراود وهمها بحقيقة الوجع!
«يا خيا» كطفلة تعض لسانها في قطعة الحلوى وتبكي على ما فات تلك أنا لو تأخرت على الثوار. تقول أخرى  وتردف: سامق قلبي في الحياة وثوب العمر قصير، لكن لعنفوان المجد ثياب فضفاضة وتاج مشذر وما الموت إلا معنى ناشز في لغة التأويل ونحن ننبش عن وجهه الحق غبار المجاز ويهزأ الآخرون بنشيجنا المبحوح لم يدركوا فداحة المعنى.
السومريات يظفرن جدائل قلوبهن لجامًا للخيل، خيلهن موشيات بالعطر والبنفسج
هن عشن الحياة وعرفن سرها في نهارات التمرد وليالي الحلم يشكلن صلصال الحياة.
الأقصى ليس قصيًا لكن اللغة مثقلة بأرواح كسيحة وسمتنا بالبعد عنه ونحن نتهجى يومياتنا الرتيبة ومتع الليالي خسرنا أن نكون هناك وسقطنا هنا في أوحالنا نكتب في الحريم الجميلات وبالقبائل والطوائف ذات الرماح المعطرة.
بنات الريح لايدرك غير البدوي نضح صبحهن في الهبوب، إذ يلم شموس الاستعارات وأقمار الكناية أسمالًا تقْصُر عن كاحل قدهن الممشوق ريحًا وغمامًا. وأنا أدير ظهري للكتاب وللصحب وأصرخ من شمال القلب صوب الحرم…
يا قدس «يا خيا» أتخفف من عمري كثيرًا، ومن أهلٍ نبحتْني كلابُهم.
يا قدسُ أعطب أطرافي، يا قدسُ أفقأ حواسي الخمس «يا خيا».
أرشُّ حلمي فخاخًا لأقدارٍ تردُّني طفلًا خديجًا مُحرَمًا في سفر الحياة لأحبو على وجهي من «كنيسة المهد» أطوف على «القيامة» ساعيا نحو حلمي «الأقصى» لأفيض…