22
13

ثورة مصر .. وسيناريو فتح مكة

تاريخ النشر : 25 أكتوبر 2015 - 10.58:19 ص

ثورة مصر .. وسيناريو فتح مكة

يوسف العاصي الطويل

عضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين

 

تعتبر الهبه الشعبية المصرية في 25/يناير 2011 علامه فارقة فى التاريخ العربي بل والعالمي المعاصر، حيث ستكون تداعياتها عظيمه على كافة المستويات المحلية والعربية والعالمية. فبعد ان يأس الجميع من امكانية تغيير الاوضاع في مصر بالرغم من كافة القرارات والتصرفات التى اتخذها النظام المصرى خلال العقود الماضية، والتى جاءت مضادة للارادة الشعبية المصرية التى عبرت عن ذلك خلال احتجاجات ومظاهرات متفاوته، سواء ما قام به الامن المركزى او الاحتجاج على وقوف نظام مبارك مع امريكا فى تدميره للعراق والحرب عليه، او في موقفه من العدوان الاسرائيلي على فلسطين ولبنان، وغيرها الكثير، حيث كان النظام يتصرف وكأن الشعب المصري العظيم غير موجود، وكان ازلام النظام في كل مره يحاولون تبرير سياساته وكأنها منزله من السماء، ويتم قهر وقمع المعارضين لسياساته الظالمه.

بالرغم من هذا الظلم والديكتاتورية والفساد الذى استمر لمدة ثلاثة عقود تفاجئ العالم اجمع بهذه الهبة الشعبية او الثورة بمعنى اصح، لتشمل كافة طبقات الشعب وطوائفه، فهى ليست ثوره طائفية او طبقية او نخبوية. انها ثورة المسلم والمسيحي والغنى والفقير، والمثقف والامي، انها ثورة الشعب بكل اطيافه المختلفه ضد ظلم وفساد وانتهاك لحرية الانسان وكرامته مارسها النظام وازلامه، وتمادى بها الى درجه فاقت التصور، وطالت مساوئها الجميع .

لقد حول النظام مصر المحروسه الى عزبه كبيره، والشعب الى عبيد، يستغلها هو وزبانيته كيفما يشاؤون، يبيعون ويشترون ويزورون وينهبون، ويعتقلون، وكأن شعب اقدم حضارات العالم غير موجود، ونسوا ان الشعوب تصبر وتعاني ولكن لابد من وصول الامور الى لحظه الانفجار. وهذا ما حدث، كان لابد من شراره قادها الشباب الواعي المهمش في بلده، فانضمت اليه كافة الجموع لتأييد مطالبه ولتعبر عن مطالبها بالحرية والكرامه والعداله المفقوده منذ زمن.. وقداكتسبت هذه الحركة الثورية للشعب المصري تعاطفاً عظيماً على كافة المستويات لعدالة مطالبها وطابعها السلمي، وجاءت همجية النظام وازلامه في التعامل مع هذه الهبة لتجلي الصورة بكل بوضوح، حتى وجدنا اقرب حلفاء النظام في الداخل والخارج يتخلون عنه .
المهم هنا ليس نقل تفاصيل الصورة الحالية، فقد تكفلت بذلك كافة وسائل الاعلام بانواعها، ولكن المهم هو البحث عن طريقة حضارية لانهاء هذه الازمه بطريقة تحقق مطالب الشعب المصري وثورثة العادلة، بعيدا عن تداعيات غير مرغوبه قد تدفع بها التطورات، نتيجه عدم توحيد مطالب المعارضه، او نتيجة رعب النظام وتوجه بعض ازلامه لسيناريو "على وعلى اعدائي" اى محاولة احراق البلد وخلق فوضى عارمه في ارجاءه، مما سيترك اثرا سيئا على مستقبل مصر المحروسه، ومستقبل المنطقة العربية باكملها.
من هذا المنطلق اطرح سيناريو لانهاء الازمة الحالية بناء على بعض الوقائع التى افرزتها ثورة الشعب المصري العظيمه:
1- من الواضح ان الثوره المصرية الحالية وان بدأها الشباب، الا انه من الخطأ نسبتها الى ما يسموا بشباب الانترنت، وان كان لا يمكن نكران دورهم الكبير. فهذه الثوره هى ملك للشعب المصري باكمله وجاءت نتيجه لتراكمات على مدار سنين ضد الشعب وقواه السياسية المختلفه، وبدأها الشباب، وناصرها الشعب بكل اطيافه، ولا يمكنها ان تستمر اذا ادعى البعض انها من صنعه وحده او حاول ان يجيير منجزاتها لصالحه.

2- من الواضح ان الجميع متفق على الاهداف العظيمة للثورة ولكن الخلاف الآن، يدور حول الكيفية التى يجب ان يتم بها تحقيق هذا الاهداف. وللاسف لاحظت ان الاجراءات الشكلية للتغيير تستحوذ الان على المناقشات، حيث يشتم من خلالها رغبه البعض في الانتقام من النظام وبالذات حسنى مبارك باخراجه بطريقه مذله ووضعه امام خيار وحيد، بعد ان تخلى عنه اصدقاءه في الداخل والخارج.

3- من الملاحظ ان هناك بعض الدول وبعض القوى تحاول استغلال الثورة لمصالح حزبية ضيقه، استعدادا لمرحلة جنى الثمار، ولهذا نجد تضارب في التصريحات وعدم اتفاق في بعض الامور الشكلية، ووجود مرجعيات مختلفه تطرح الحلول والمخارج، حتى وصل الامر الى تناقضات بين القوى الفاعله في الساحه.
4- يحاول الجميع التمسح بالشباب باعتبارهم مفجري هذه الثوره، ولكن هؤلاء الشباب لم تظهر لهم قياده حقيقيه واضحه تطرح مطالبها العادله على العلن، وبقوا غير معروفي الهوية والاتجاه، مما سهل على كثير من المتطفلين والقوى التحدث باسمهم، والادعاء بانهم اجتمعوا معهم ليدلي بتصريحات باسمهم، وقد صدمت عندما استمعت لمتحدثه ادعت انها تتحدث باسم الشباب، وهى تدلى باقوال ساذجه، وغير منطقيه وسطحية، وهذا يضفي ضبابية على ما يدور وما يمكن ان تؤول اليه الاحداث.
5- يلاحظ غياب قيادة موحدة لهذه الهبة الشعبية، تتحدث باسمها بل وجدنا انقساما وتضاربا في المطالب، وانشغل الجميع عن الهدف الحقيقي للثورة، وهو التغيير والاصلاح بمسائل فرعية.
6- القوة المعارضة للنظام لا تأخذ باعتبارها القوة التى يملكها النظام، واعتقدت بسذاجه ان القوات المسلحه يمكن ان تتخلى بسهوله عن النظام، وهذه سذاجه كبيره، بل انهم وجهوا جام غضبهم لوزارة الداخلية وعناصرها، وكأن الجيش مصري، وهؤلاء غير مصريين، متناسين ان النظام بكامله بقواته المسلحه والامن والمؤسسات والوزارات كلها لابد ان يطالها الاصلاح والتغيير بسبب تراكم الفساد فيها طوال الفترة السابقة.
7- القوى المعارضة لم تضع في حسبانها مؤيدى النظام والجماعات المرتبطه به سواء اشخاص او موظفيى حكومه او رجال اعمال، عاشوا في رفاهية في ظل الفساد، وهم مستعدون للدفاع عنه بكل قواهم وقد شاهدنا كيف استطاع هؤلاء ان يوحدوا انفسهم والدفع بمجموعات انقضت على المتظاهرين وعاتت فسادا في كل مكان، وهم على استعداد للاستمرار بذلك حتى النهاية.
8- من الواضح ان رسالة المتظاهرين وصلت الى النظام المصرى وللعالم، واتخذ النظام بعض الخطوات الجزئية والتى بالتأكيد لم ترقى لمطالب المتظاهرين، ولكن ذلك يعتبر مؤشر ايجابي ومكسب يجب البناء عليه وتطويره الى الامام للوصول الى الهدف النهائي.
9- لوحظ ان امريكيا والغرب بشكل خاص تخلوا بصوره كامله عن اعظم حلفائهم بالمنطقة، وطالبوه بالرحيل، بل وظهروا ملكيين اكثر من الملك، وهذا يضع تساؤلات عديده حول الهدف من ذلك ومغزاه، بعد تجاربنا المره مع وعودهم بالديمقراطية والحريه.
10- من خلال متابعتى للاحداث لاحظت ان التغطية الاعلامية للاحداث لعبت دورا محوريا في تصعيدها، وان الحيادية والحرفية غابت عن عملها، سواء المعارضين او المؤيدين للثوره الشعبية المصرية.
11- من الملاحظ ان هناك روح جديده دبت في الشعب المصري، واعتقد انه حتى في اسوأ الاحتمالا ت التى تتمثل في امكانية سيطرت النظام على الاحداث، فان الواقع في مصر المستقبل لن يكون باى حال من الاحوال شبيها او قريبا من الواقع قبل 25 يناير، بعد ان نزع الناس من قلوبهم الخوف من النظام، وتبلور ثقافه ثورية في الوعي الجمعى احست بقيمة الاتحاد والمشاركه لاحداث التغيير.
امام هذا الوقائع المختلفه، واصرار كلا من النظام والثوار على مواقفهم، فان الوضع المستقبلي يندر بتداعيات خطيره من الصعب تدارك عقباه، ربما تصل الى فوضى شامله وحمامات دم، ولهذا نجد انه من الضروري اتخاذ بعض الخطوات الاولية للوصول الى بر الامان، وتحقيق الثورة لاهدافها :
1- تشكيل قياده موحده للثوره تثفق على مطالب التغيير والاصلاح ويتمترس الجميع حولها ويمكن اجمالها بوضع دستور جديد والدعوه لانتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهه خلال فتره محدده، تفرز ممثلي الشعب وترسى مبادئ العداله والحرية في المجتمع وللجميع، ويتم تعيين متحدث رسمي باسمها، يكون مصدر المعلومات الوحيد لهذه القيادة.
2- يجب ان تحدد هذه القيادة آلية التغيير، اما بالثوره الشامله وخوض حرب شامله مع النظام بكل مؤسساته، او الوصول للتغيير من خلال الحوار، واستبعاد امكانية قيام الجيش بحسم الامور لصالح الثوره، على الاقل في هذه المرحلة، لان القيادات العليا في الجيش في غالبيتها موالية بشكل كامل للنظام الذى اجزل لها العطاء وكان يقوم بعملية غربله لها قبل اسناد اى منصب قيادي لها.
3- من قراءة ما يجري يتضح ان الجميع يرغب في التغيير عن بطريقه سلمية، وهنا لابد من الحوار مع النظام الحالي بكل سيئاته من اجل ضمان انتقال سلس للسلطه، وضمان تحقيق المطالب الشعبيه، وتشكيل حكومه من التكنوقراط، لتجنيب البلاد سيناريوها غير مرغوبه.
واذا كان الهدف الاساسي للثورة يتمثل في تحقيق اهداف محدده، تحقق العداله والحريه، والديمقراطية للجميع، فان الوصول الى ذلك هو الهدف الاسمى للثوره. فالشعب يجب ان يجنى ثمار هذه الثوره، ويجب ان يكون التركيز كله موجها لتحقيق ذلك، فنحن نريد العنب وليس مقاتلة الناطور" اي نريد ان تجنى الثوره ثمارها الحقيقية، اما الناطو او النظام فليس هو الهدف الاساسي اذا تنازل وحقق اهداف الثورة بطريقه او باخرى.
ومن هنا فان تحقيق الاهداف الرئيسية للثوره واخراجها الى ارض الواقع لا يجب ان تقف امامه شروط معينه من هذا الطرف او ذاك، ويجب ان يدرك الثوار ان النظام وازلامه اذا وجدوا انفسهم محصورين بزاوية ضيقه يمكنهم ان يهدموا المعبد على رؤوس الجميع، ويحرقوا البلاد والعباد، وبالتالى فان الحكمه ومصلح الوطن تتطلب بعض المرونه للخروج من هذا المأزق، ومنح النظام وازلامه بارقه امل، بامكانية الخروج او البقاء الآمن. فالخروج الامن للرئيس يجب ان يكون مرحب به وبقائه ايضا وبشروط، اما الفاسدين الذين استغلوا البلاد وعاتوا بها الفساد فيجب ان يمنحوا حق الخروج بعد محاكمات تعيد ما سلبوه للشعب، او يتم منحهم حق البقاء بعد تنازلهم طواعية وافصاحهم بمحض ارادتهم للاموال التى سلبوها من الشعب.
ان منح الأمان للنظام وازلامه هو الكفيل باحداث التغيير المطلوب والوصول بالبلاد الى بر الامان، وهذا لا يعنى التخلى عن اعادة الحقوق الى اصحابها او محاكمة الذين اجرموا بحق الشعب ومقدراته، وعلينا ان نتذكر معاملة الرسول الكريم مع كفار مكه يوم فتح مكة، فالرغم مما عانه الرسول الكريم منهم من ظلم وتآمر ومحاولات مستميته للقضاء عليه وعلى دعوته، الا انه في يوم الفتح العظيم دخل مكه منتصرا بدون قتال، واعلن العفو عن الجميع وامنهم في بيوتهم واموالهم، فكان يوما مشهودا خلق مجتمع جديد فتى استطاع ان نشر نوره الى كافة جهات الارض.
وهنا اتمنى ان يستذكر حكماء مصر وشبابها وشيوخها هذا المشهد العظيم، ليكون لهم نبراسا في طريقهم الى الحرية وبناء مجتمع جديد يقوم على التعددية والحرية وصيانه الحقوق. فهذه اللحظه العظيمة التى يعيشها شعب مصر العظيم، لا يجب ان تكون لحظه انتقام او لحظه تصفية حسابات، او تكريس احقاد، بل يجب ان تكون لحظه انتصار مشرف وعظيم، تعاد فيه الحقوق الى اصحابها، ويتم محاسبة المخطئ والعفو عن المسئ، وحمد الله تعالى على هذا النصر العظيم، لتبدأ مرحله جديده في حياة الامه خالية من كافة السلبيات والاخطاء التى لم تظهر فجأه في زمن مبارك، بل تراكمت على مدار عقود بل وقرون، ولكن الشعب استطاع ان يحقق بعض الانجازات والنقلات النوعية خلال هذه المده، لا يمكن انكارها لقادة مصر، وهنا يجب البناء عليها وتطويرها، من خلال هذه الثوره الفارقه في التاريخ المصري، والتى تفرض عليها عظمتها واهدافها السامية والنبيله التحرك على ارض الواقع بالتمسك بمبادئها الحقيقية، واهمال او وضع حلول خلاقه للمطالب الفرعية للعبور بسلام الى بر الامان.
فليس من مصلحه مصر والمصريين اذلال رئيسهم، بطريقه لا تليق بعظمة مصر وحضارتها، ووضعه في موقف يستجدي شعبه للخروج من منصبه بكرامه بعد ان تخلى عنه اعز اصدقائه من الدول الغربية، ويكفيه ما حدث درسا وعبره له ولغيره.

وليس من مصلحة مصر وشعبها ان يهرب رجال الاعمال من مصر باموالهم التى جنوها في ظل النظام البائد، بل يجب ان يمنحوا فرصه للتوبه والبقاء في مصر بعد ان يردوا ما نهبوه من اموال الى الشعب، ليتم تشكيل صندوق قومي يوزع هذه الاموال على الشعب او يحل بها مشاكل الطبقات الفقيره والمعدومه.

وليس من مصلحة مصر ان يعيش على ارضها الطاهره اناس اساءوا لبلدهم ولاخوانهم في فترة النظام السابق، منبودين ومحملين بعقدة الذنب والكراهية من الجميع، بل يجب منحهم فرصه للتوبه والانخراط من جديد في المجمع الجديد الذي سيتشكل على قاعدة من التسامح والحب والكرامه للجميع. ويجب ان يدرك الجميع ان الفساد والمحسوبية وكل الامراض القاتله كانت منتشره في بنية المجتمع المصري باكمله، الا من رحم ربي، ولهذا لا يمكننا ان نلوم فقط هذا المخبر او ذاك الشرطى او رجل الامن او الموظف الكبير، فالكل كان في ظل هذا النظام الفاسد فاسد ومقصر في حمل الامانه حتى اللذين يتظاهرون اليوم. واذا كان قد صحى ضميرهم في هذه اللحظة التاريخية، فيجب عليهم ان يمنحوا غيرهم فرصه للرجوع الى الحق والتوبه، فالعودة الى الحق خير من الاستمرار بالباطل فالكل اجرم بطريقه او باخرى بحق اخيه، والكل مسئول عما آلت اليه الامور.

ان البناء الجديد والشرعية الجديده مهمتها الاولى هي تصحيح كل ذلك، وعدم التفرع لمعارك جانبية وانتقام وتصفية حساب، يجب ان يعلن الشعب المصري بكامل فئاته وفي ميدان التحرير وقبل ان ينفض الثوار قانونا للتسامح والمحبه والعفو الجميل، ويشمروا عن ساعد الجد لبناء مجمعهم الجديد، على اسس وقيم جديده لتبدأ صفحه بيضاء، يسطر فيها الجميع اسهاماته وابداعاته على اسس من الحرية والكرامه والعدالة وكفى الله المؤمنين شر القتال"

 

فينا 5/فبراير/