22
13

[عرض كتاب] الإسلام الصحيح لمحمد إسعاف النشاشيبي

تاريخ النشر : 15 أكتوبر 2015 - 21.51:28 م

قراءة في كتاب

الإسلام الصحيح

لـ: محمد إسعاف النشاشيبي

 

 

عرض ونقد | أ. فؤاد عيسى سعد - غزة

 

وضع هذا الكتاب عالم فلسطين اللغوي وأديبها المحقق محمد إسعاف النشاشيبي وطبعه في مطبعة العرب لصاحبها عجاج نويهض سنة 1354هـ بالقدس .
لعل المهتمين بإحياء التراث الفكري الفلسطيني أن يلتفتوا لأعمال إسعاف التي تستحق إعادة الطباعة ليتيسر لأبناء فلسطين وغيرهم الإطلاع عليها ، إضافة للحفاظ علي هذه اللبنات التي لها آثر في تشكيل الحضارة العربية عامة ، والفلسطينية خاصة .
أعتقد أن مجرد ذكر اسم هذا العلم يثير لدى المهتمين انتعاشاً للذاكرة ، وسرعان ما تتلاشي الحدود الزمنية والمكانية لتطل أطياف من علماء اللغة والأدب والدين من الماضي السحيق حتى عصرنا الحالي محلقة حول علمنا كما المبرد وأبي عبيدة وابن جني والأزهري وابن سيدة وبديع الزمان ... حتى خليل السكاكيني وأوغسطين مرمرجي والريحاني وأحمد شوقي ... أعلام شُدّت إلي أعلام، رسخت جذورنا اللغوية والأدبية والدينية والعلمية فكانت الحضارة العربية والإسلامية .
والمعول في هذه القراءة صورة من النسخة التي أهداها إسعاف إلي صديقه الأستاذ فؤاد صروف صاحب ( المقتطف ) ، موقعة بخطه بتاريخ 14رجب سنة 1354هـ .

فؤاد عيسى سعد ،

 


 

الإسلام الصحيح

تحت هذا الاسم وضع إسعاف النشاشيبي كتابه الذي تناول فيه عدة قضايا ذات أهمية بالغة ، وغرضه إظهار الحقيقة للجمهور منعاً للتضليل ووصولاً للتصحيح .
تناول في الجزء الأول من هذا الكتاب القضايا التالية :
حقيقة الوهابية ، والزيدية ، وتحدث من خلالها عن الإمامة الإسلامية وآل البيت مستخلصاً في نهاية المطاف تصحيح المفاهيم المغلوطة وكشف الأخطاء التي روجت طيلة أحقاب عديدة .
قال : " وقد رأينا أن ندفع ملتبساً ، ونزيل إشكالاً ، ونجلّي حقاً بأن نروي قولاً للشوكاني في الوهابية فيه إنصاف ، مجتزئين به ، ونملي فصلاً مقتضباً في الزيدية وإمامها ليعرف ما في نجد واليمن جاهله ، ثم نجيء بأقوال في الإمامة الإسلامية ، متبعيها بحثاً موجزاً من " آل البيت " الذين ذكرهم الله في كتابه الكريم " .
وفي المسألة الوهابية أورد :-
قال الشوكاني في " البدر الطالع "
" من دخل تحت حوزة " صاحب نجد " أقام الصلاة والزكاة والصيام وسائر شعائر الإسلام . ودخل في طاعته من عرب الشام الساكنين ما بين الحجاز وصعده ، غالبهم إما رغبة وإما رهبة ، وصاروا مقيمين لفرائض الدين بعد أن كانوا لا يعرفون من الإسلام شيئاً ، ولا يقومون بشئ من واجباته إلا مجرد التكلم بلفظ الشهادتين علي ما في لفظهم بها من عوج ، وبالجملة فكانوا جاهلية جهلاً ، ثم صاروا الآن يصلون الصلوات لأوقاتها ويأتون بسائر الأركان الإسلامية علي أبلغ صفاتها ، ولكنهم يرون أن من لم يكن داخلاً تحت دولة صاحب نجد ، ومتمثلاً لأوامره خارج عن الإسلام وقاتل من يجاوره من الخارجين عن طاعته .
وتبلغنا عنه أخبار " الله أعلم بصحتها "
ومن ذلك أنه يستحل دم من استغاث بغير الله من نبي أو ولي وغير ذلك ، يصير صاحبه مرتداً ، لا ريب في ذلك إذا كان عن اعتقاد تأثير المستغاث كتأثير الله . ومن جملة ما يبلغنا عن صاحب نجد أنه يستحل سفك دم من لم يحضر الصلاة في جماعة ، وهذا " إن صح " غير مناسب لقانون الشرع . نعم ، من ترك صلاة فلم يفعلها منفرداً ولا في جماعة فقد دلت أدلة صحيحة علي كفره ، وعورضت بأخرى . فلا حرج علي من يذهب إلي القول بالكفر إنما الشأن في استحلال دم من ترك الجماعة ولم يتركها منفرداً . وبعض الناس يزعم أنه يعتقد اعتقاد الخوارج ، وما أظن ذلك صحيحاً ، فإن صاحب نجد وجميع أتباعه يعملون بما تعلموه من " محمد بن عبد الوهاب " وكان حنبلياً ، ثم طلب الحديث بالمدينة المشرفة ، فعاد إلي نجد وصار يعمل باجتهادات جماعة من متأخرى الحنابلة كابن تيمية ، وابن القيم وأحزابها ، وهما من أشد الناس علي معتقدي الأموات " .
انتهي ما اجتزأه إسعاف من كلام الشوكاني كشاهد علي ما يراه صحيحاً ، وليصحح للناس معتقدهم في هذه المسائل بمعني أن إسعاف أحب أن يقول :-
• إن المسلم المقيم لفرائض الدين معذور عن الوصول إلي صاحب نجد لينظر في إسلامه ويدخل تحت دولته ، ويمتثل لأوامره وهو ليس بخارج عن الإسلام .
• وأما مسألة استحلال دم المستغيث بغير الله من نبي أو ولي وغير ذلك ، فإن إسعاف مع رأي الشوكاني إذا كان اعتقاد تأثير المستغاث كتأثير الله ، فقد كفر . لأن المسلم يكون في هذه الحالة قد وقع في الشرك .
• وفي مسألة استحلال دم من لم يحضر الصلاة في جماعة ، فأحب إسعاف أن يصحح كما الشوكاني بأن الشرع لم يحل سفك دم من لم يحضر الصلاة في جماعة ، وإنما النظر فيمن ترك صلاة لم يفعلها منفرداً ولا في جماعة ....
• واستحسن إسعاف إقناع الإمام ابن سعود لجماعة " الإخوان " في بعض الأمور .
قال إسعاف :
" قلت وأغلب الظن أن " الإخوان " بعد أن برهن لهم الإمام ابن سعود أن ليس في السيارة شيطان ، ولا في التليفون ولا في " طار الهوا " اللاسلكي عفريت ولا جان ، وأنه ليس ثمة إلا أداة طبيعية والإ كهربية .
فآمنوا وصدقوا بعد الجدال والخصام واللدد فإن الإخوان بعد ذلك ستلين شدتهم فلا يرون المسلم إلا مسلماً ، ولا يقسرون أحداً علي لقاء الإمام لينظر في إسلامه ، وسنمسي والإخوان " إخواناً علي سرر متقابلين " .
ومما يروي " وهو صحيح " أن القوم لما أضجروا ذلك العظيم العبقري الألمعي " الإمام عبد العزيز بن سعود " وهم يحاورونه في مسألة التليفون وتحليلها أو تحريمها ، قال لمفاوضيه فيها : إقرأ من القرآن :
وقال للجماعة : أسمعوا ،
ثم قولوا : هل يقرأ القرآن الشيطان ؟!!
فلما سمعوا كلام الله من الهاتف قالوا :
لا والله يا طويل العمر ، ما يقرأ القرآن الشيطان : زين ، زين !!! " .

وأما في مسألة الزيدية والإمامة الإسلامية وآل البيت فإن إسعاف قد تناول هذه المسألة في بحث مطول استند في تصحيح موضوع الإمامة إلي النص القرآني وشواهد كثيرة لآراء المنصفين وكذلك في مسألة من هم آل البيت الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم ، وكانت هناك مساجلة شغلت مساحات واسعة من صفحات البلاغ بينه وبين سيد فاضل " يمني " والسيد الفاضل حيدر مجتبي الموسوي . ومن يراجع هذا البحث في هذا الكتاب الذي نعرض لمقتطفات منه سيجد بكل يسر وضوح وقوة ورجاحة رأي فارسنا " إسعاف " .
ونجتزئ أجزاءً من أقوال إسعاف وشواهده في هذه المسائل :
قال إسعاف : الزيدية :-
" الزيدية هم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي ، ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة ، ولم يجوزوا ثبوت إمامة في غيرهم إلا أنهم جوزوا أن يكون كل فاطمي عالم زاهد شجاع سخي خرج بالإمامة – إماماً ، واجب الطاعة سواء أكان من أولاد الحسن أم كان من أولاد الحسين ، وجوزوا خروج إمامين في قطرين يستجمعان هذه الخصال ، ويكون كل واحد منهما واجب الطاعة .
وزيد بن علي لما كان مذهبه هذا المذهب أراد أن يّحصل الأصول والفروع حتى يتحلي بالعلم ، فتتلمذ في الأصول لواصل ابن عطاء الغزال " رأس المعتزلة " فاقتبس منه الاعتزال ، وصارت أصحابه كلها معتزلة وكان مذهبه جواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل .
فقال : كان علي أفضل الصحابة إلا أن الخلافة فوضت إلي أبي بكر لمصلحة رأوها ، وقاعدة دينية راعوها ، من تسكين ثائرة الفتنة ، وتطيب قلوب العامة ، فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة كان قريباً ، وسيف علي من دماء المشركين من قريش لم يجف ، والتضاغن في صدور القوم من طلب الثأر كما هي ، فما كانت القلوب تميل إليه كل الميل ، وكانت المصلحة ومن يقوم بهذا الشأن من عرفوه باللين والتؤدة والتقدم في السن والسبق في الإسلام ، والقرب من رسول الله " .
ساق إسعاف شواهده علي ذلك من كتاب " تلخيص المحصل " لنصير الدين الطوسي . شرائط الإمامة عند الزيدية ، ومن كتاب " منهاج السنة " فيما يختص بأن بعض المعتزلة فضل علياً ، فصار بينهم وبين الزيدية نسب راجح من جهة المشاركة في التوحيد والعدالة والإمامة والتفضيل ، ثم قبس شواهد عن أبي الحديد " المعتزلي الشيعي المعتدل " من كتاب شرح النهج ، فيما يختص بإثبات قوله في مسألة إرجاء إمامة علي حتى تبرد عن الناس الأكباد الحامية وتموت الثرات .... الخ .
ويقول إسعاف :
ولما سمعت شيعة الكوفة تلك المقالة " أي تبرير إمامة المفضول مع قيام الأفضل " وعرفوا أنه لا تبرأ من الشيخين رفضوه فسميت رافضه " .
ومال أكثر الزيدية بعد ذلك إلي إمامة المفضول ، وطعنوا في الصحابة طعن الأمامية . و الزيدية أصناف ثلاثة : جار ودية ، وسليمانية ، و البترية الصالحية .
*والجار ودية هم أصحاب أبي الجار ود ، زعموا أن النبي صلي الله عليه وسلم نص على علي بالوصف دون التسمية والإمام بعده علي .
وقد خالف أبو الجار ود في هذه المقالة إمامة زيد بن علي .
واختلفت الجار ودية في التوقف والسوق ، فساق بعضهم الإمامة من علي إلي الحسن ، إلي الحسين، ثم إلي علي بن الحسين ثم إلي زيد بن علي ثم منه إلي الإمام محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين ، وكان أبو حنيفة على بيعته ، ومن جملة شيعته حتى رفع الأمر إلي المنصور فحبس حبس الأبد حتى مات في الحبس ، وقيل إنه إنما بايع محمد بن عبد الله الإمام في أيام المنصور ، ولما قتل محمد بالمدينة بقي أبو حنيفة علي تلك البيعة يعتقد موالاة أهل البيت فرفع حاله إلي المنصور فتم عليه ما تم .
ويؤكد إسعاف أن هذا هو السبب الصحيح في حبس أبي حنيفة .
*السليمانية : هم أصحاب سليمان بن جرير ، وكان يقول : أن الإمامة شوري فيما بين الخلق ، ويصح أن تنعقد بعقد رجلين من خيار المسلمين وأنها تصح في المفضول مع وجود الأفضل ، وأثبت إمامة أبي بكر وعمر حقاً ، باختيار الأمة حقاً اجتهادياً ، غير أنه طعن في عثمان وكفرّ عائشة والزبير وطلحة بإقدامهم علي قتال علي .
*البترية الصالحية : أصحاب كثير الأبتر ، والحسن بن صالح بن حي ، قولهم في الإمامة كقول السليمانية إلا أنهم توقفوا في أمر عثمان ووكلوه إلي أحكم الحاكمين .
اجتزأ إسعاف من كتاب " المال والنحل " للعلامة محمد عبد الكريم الشهر ستاني المتوفى سنة 548هـ .
وهذا الكتاب مرجعه في البحث عن النحلة الزيدية ،
يقول الشهر ستاني :
" وأكثر الزيدية في زماننا مقلدون لا يرجعون إلي رأي واجتهاد : أما الأصول فيرون رأي المعتزلة حذوا القذة بالقذة ، ويعظمون أئمة الاعتزال أكثر من تعظيمهم أئمة أهل البيت ، وأما في الفروع منه علي مذهب أبي حنيفة إلا في مسائل قليلة يوافقون فيها الشافعي ...".
وتحدث إسعاف عن زيد وتخلي أهل الكوفة عنه في اللحظات الحاسمة وأورد نص البيعة التي اعتمدها زيد ونصائح المحبين له ونورد هذه المقتطفات لنصل إلي قول الفصل عند إسعاف في شأن الإمامة وأهل البيت .
قال إسعاف :
زيد بن علي بن الحسين :
هو أبو الحسين زيد بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب . وكان ظهر أيام هشام بن عبد الملك سنة 122هـ ودعا إلي نفسه فبعث إليه يوسف بن عمر الثقفي وإلي العراقيين جيشاً ، مقدمه العباس المري ، فرماه رجل منهم بسهم فأصابه فمات ، وصلب بكناسة الكوفة ونقل رأسه إلي البلاد ، ولزيد من العمر 42 سنة يومئذٍ .
ونص بيعته التي بايع عليها الناس هي :
" إنا ندعوكم إلي كتاب الله ، وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم وجهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين ، وإعطاء المحرومين ، وقسم هذا الفئ بين أهله بالسواء ورد المظالم وإقفال المجمر ، ونصرنا أهل البيت علي من نصب لنا وجهل حقنا .
أتبايعون علي ذلك ؟ فإذا قالوا : نعم ، ضع علي يده ، ثم يقول : عليك عهد إليه وميثاقه وذمته وذمه رسوله ، لتفين ببيعتي ولتقاتلين عدوي ولتنصحن لي في السر والعلانية . فإذا قال : نعم ، مسح يده علي يدي ، ثم قال : اللهم اشهد " .
وقدم إسعاف مقتطفات تدعو زيد بعدم الرجوع إلي الكوفة خوفاً من تخلي الذين بايعوه عن نصرته مجملها أنه كان قد بايعه من أهل الكوفة أربعون ألفاً ، وتوالت نصائح الناصحين لزيد بعدم الوثوق بأهل الكوفة وإلا لحق به ما لحق بأبيه وجده ، فلم ينتصح لأحد . ومن الناصحين داود بن علي " العباسي " وسلمه بن كهيل ، وعبد الله بن حسن .
واجتزأ إسعاف هذه المقولة من تاريخ الطبري :
" فدلّ يوسف " والي العراقيين " علي موضع زيد ، فوجه يوسف إليه الخيل ،فنادي زيد بشعارهم فلم يجتمع إليه منهم إلا ثلاثمائة أو أقل فجعل يقول :
كان داود بن علي أعلم بكم ، قد حذرني خذلانكم فلم أحذر " .
وفي الحديث عن الإمامة الإسلامية وآل البيت عرض إسعاف أقوالاً كثيرة في هذا الموضوع منها :
قول ابن أبي الحديد عند قول النهج :
" إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح علي سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم ".
وعرض لاختلاف الناس في اشتراط النسب حتى انتهي إلي قول إبراهيم النظام ومن قال بقوله : " الإمامة تصلح لكل من كان قائماً بالكتاب والسنة لقول الله عز وجل :
" إن أكرمكم عند الله أتقاكم "
وخلص إسعاف إلي رأيه في هذه المسائل فقال : آل البيت :-
" فإن قلت : علي أي هذه الأقوال المتقدمة تعول ، وبأيها تستمسك وأيهن تقبل ؟
قلت : هل تسومني ، هل تكلفني أن أكفر بالله ، وأبرأ من الإسلام ، وأعادي كتاب الله ، وأكون حرب الله ؟ ومن يقدر أن يكون حرب الله ؟ وأخاصم رسول الله فاجتزئ علي أن أقبل غير كتاب الله ، غير قول الله :
" إن أكرمكم عند الله أتقاكم " ، " يأيها الذين آمنوا ، أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ، وأولي الأمر منكم " .
منكم ، من المسلمين لا من هذا البيت أو ذاك القبيل أو تلك الأمة .
تعقيب لما جاء في تحديد أهل البيت في قول إسعاف النشا شيبي ، أحب أن أضع بين يدي القارئ الحديثين التاليين بدون تعليق :
*عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
] أخذ الحسن بن عليّ رضي الله عنهما تمرةً من تمر الصدقة فجعلها فيه فقال رسول الله صلي اله عليه وسلم: كُخْ كُخْ ارّم بها ، أما عَلْمتَ أنا لا نأكلُ الصدقةّ . [
وفي رواية : " أَنّا لا تحلّ لنا الصدقة . / - هذا الحديث متفق عليه .
*عن يزيد بن حيان قال : انطلقت أنا وحصين بن سبرة ، وعمرو بن مسلم إلي زيد بن أرقم رضي الله عنهم ، فلما جلسنا إليه قال له حصين :
لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً ; رأيت رسول الله صلي الله علية وسلم ، وسمعت حديثه ، وغزوت معه ، وصليت خلفه ، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً ، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلي الله عليه وسلم "
قال : ]يا بن أخي والله لقد كبرت سني ، وقدم عهدي ، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله " صلي الله عليه وسلم " فما حدثتكم ، فاقبلوا ، وما لا فلا تكلفونيه ثم قال : قام رسول الله " صلي الله عليه وسلم " يوماً فينا خطيباً بماء يدعي خُماً بين مكة والمدينة المنورة ، فحمد الله وأثني عليه ، ووعظ وذكر ، ثم قال : أما بعد : أيها الناس ، فإنما أنا بشرٌ يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين :
أولهما كتاب الله ، فيه الهدي والنور ، فخذوا بكتاب الله ، واستمسكوا به. ، فحث علي كتاب الله ، ورغب فيه ثم قال :
وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي . فقال له حصين : مَنّ أهل بيته يا زيد ، أليس نساؤه من أهل بيته ؟ .
قال : نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حُرم الصدقة بعده ، قال ومن هم ؟:
قال : هم آل عليّ ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، وآل عباس . قال كُل هؤلاء حُرم الصدقة ؟.
قال نعم . [ رواه مسلم .

 


فإن قلت : ألا يكون المعني : أجري في دعوتي إياكم إلي الهدي هو أن تأووا إلي ذوي قرابتي وتودوهم ؟
قلت : هادٍ في بدء أمره إلي معتقد يراه حقاً " وهو حق " ويري سعادة البشر في أتباعه – هل يكون اهتمامه بأن يود الناس أسرته أو لا يودوها ويواصلوها أو يقاطعوها ؟
هو عن كل سخف في شغل شاغل .
الرجل في أول أمره ، ومحادوه ، ومشاقوه وحربه إنما هم عثرته .
عمه أبو لهب " تبت يدا أبي لهب وتب " وأمثال عمه أبي لهب .
فهل هو " يا عاقل " في ميل الناس إليهم أو عدائهم إياهم ؟!
أجل ، كان يسعي ويجد في دفع شرهم ومكرهم ، ورد كيدهم وبغيهم ويستعد لصراعهم وقراعهم ، وإرغام أنوفهم .
إن صاحب العقيدة لا يلوي في الدنيا إلا على عقيدته ، لا يعرج إلا عليها ، لا يحفل إلا بها . عدوه من ناوأها وإن كان أقرب الأقربين ، وصفيه منتحلها ، وإن كان أجنبياً منه ، من أجنبيين .
فعترة النبي ، أسرة النبي ، جماعة النبي إنما هم المسلمون كلهم أجمعون ، فليس للنبي قرباء ولا بعداء .
وما جلي هذا الدين علي كل دين إلا بفضائل ، بمزايا أمتاز بهن . ففي هذا الدين :
 إنما المؤمنون إخوة .
 إن أكرمكم عند الله أتقاكم .
 وأمرهم شوري بينهم .
 فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين .
فليس هناك طبقات ، وليس هناك سادة وغير سادة ، وليس هناك شرفاء وغير شرفاء ، وليس هناك آل بيت ، وليت نيت .
ليس هناك معبدان – كالشان في أمريكة وفي غيرها – معبد للبيضان ، ومعبد للسودان . وويل لأبي البيضاء إن دخل يوماً كنيسة لأبي الجون .


قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :
( اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله تعالي ) - رواه البخاري
وصاحب رسول الله ، عمر بن الخطاب يقول :
" أبو بكر سيدنا ، وأعتق سيدنا . يعني بلالاً رضي الله عنهما ."
بعدما انتهي إسعاف من الرد علي السيد حيدر الموسوي بشأن المراد من آية ( المودة في القربى ) ، وتفسير آية ( التطهر ) ، والتعريف بآل إبراهيم ، وآل عمران ، وآل محمد في الإسلامية ، والوقوف علي ( الصلاة علي النبي ) ، وذكر التشهد والدعاء ، وآية ( المباهلة) ، وتأويل ( سلام علي الياسين ) ، والرد علي الموسوي بشأن الصدقة ، وآل محمد ، وذو القربى وخمس الخمس ، مفنداً مزاعم السيد حيدر الموسوي لكل مسألة ، وقد حشد إسعاف حججه وشواهده معتمداً علي القرآن والسنة وأقوال الصحابة والتابعيين ، ولغة العرب والعقل .
ولقد تميز إسعاف برجاحة العقل وسعة الإطلاع وجمعه لأساليب العرب والتعمق في العلوم اللغوية وإلمامة بالبلاغة والتذوق .
" ومن أراد أن يتعرف إلي هذه العبقرية فعليه بكتاب الإسلام الصحيح " .
بعد هذا الجهد طرح إسعاف سؤال :
هل في الإسلامية طبقات ؟ ، وأجاب :
] فضائل هذا الدين التي علا بها كل دين – كثيرة . ومنها المساواة ، فالمسلمون في الإسلام أكفاء بواء .والمسلم كفئ والمسلم ، بيد أن أناساً من المنتمين إلي الإسلامية أرادوا ( ضالين زائغين ) أن يسلبوا تلك الفضيلة وما هم بالقادرين أن يسلبوها ، وأبوا إلا أن يكون المسلمين طبقات كمثل الهنادك في الهند..[
وخاض إسعاف في هذه المسألة يسوق شواهداً من القرآن ، ثم تنقل يقتطف من ( الآلي المصنوعة ) ،
(ومجمع الزوائد ) ، والأحاديث الصحيحة من جامع البخاري وجامع مسلم إلي مسند أحمد وتخاريج أبي داود والنسائي وكتب الشروح لكبار العلماء ، يجنب الأقوال المغلوطة ويصدر البراهين الصحيحة الساطعة المتفق عليها عند الجمهور فتزاحمت شواهده ملقية الضوء علي مسألته التي هو حيالها.

وفي نهاية مطافي لهذا الكتاب أقدم لكم أيها السدة مقتطفات عما قال إسعاف في موضوع :
الشطفة ، العصائب الخضر ، نقابة الإشراف .
قال :
ليس عند المسلمين ، في الدين شعر تفرق بينهم ، وليس في الإسلامية شرف ديني موروث يشرف وارثه ، وتلك( الشطفة ) الخضراء وهذه العصائب والعمائم الخضر وتلك النقابة نقابة الإشراف في بعض البلدان .
كل ذلك شعبذة .
وهذه حكايتها لمن يجهل حقيقتها :
كان عبد الله المأمون العباسي يتشيع بل كل سند الشيعة في أيامه .وقد أراد هو أو دفعه ( الحزب الفارسي الشيعي ) سنة 201هـ أن يجعل علي بن موسي بن جعفر بن محمد حسين بن علي بن أبي طالب ولي عهده والخليفة من بعده ، وقد سماه الرضي من آل محمد ، وأمر جنده بطرح السواد ولبس ثياب الخضرة ، ثم زوجه ابنته أم حبيب ، وزوج ابنه ( محمد بن علي ) ابنته أم الفضل .ولما عاد المأمون إلي بغداد بعد أن خلعه العباسيون وولوا عمه إبراهيم بن المهدي الخلافة – رجع إلي لبس السواد .
قال الهيتمي :
" وبقي ذلك ( أي لباس الخضرة ) شعار العلويين لكنهم اختصروا الثياب إلي قطعة ثوب خضراء توضع علي عمائمهم ، ثم انقطع ذلك إلي أواخر القرن الثامن ، ثم في سنة 773هـ أمر السلطان الأشرف شعبان بن حسين بن قلاوون أن يمتازوا بعصائب خضر علي العمائم ، ففعل ذلك بأكثر البلاد كمصر والشام وغيرها "
قال الصبان :
" لم يكتف في هذه الإعصار بتلك العلامة بل جعلت العمامة كلها خضراء وحكمها حكم تلك العلامة " .
لم تكن الخضرة قبل المأمون من لباس العلويين أو المتشيعين ، وقد راق للمأمون لونها فأحب أن يتخذها للعلوية علامة .
أما نقابة الإشراف فقد كان أسمها في القرن الثالث في الدولة العباسية نقابة ( الهاشميين ) العباسيين والطالبيين
، وكان القوم هم الحاكمين المسيطرين فهم يفعلون ويسمون ويقولون كما يهوون .
والإسلام لا يسوءه أن ينصب علي كل عترة أو قبيلة أو ذوي حرفة من أهله – نقيب أو نقباء .
ولما ضعف العباسيون في العصر الرابع وقوي بالديلم و أمثالهم الطالبيون ثنيت هذه النقابة فأصبح للهاشميين نقيبان ، ثم تضربت النقابة في ضربين خاصة وعامة .
في( الأحكام السلطانية) للما وردي :
" إذا أراد المولي أن يولي علي الطالبيين نقيباً أو علي العباسيين نقيباً يخير منهم أجلهم بيتاً ، وأكثرهم فضلاً ، وأجزلهم رأياً فيولي عليهم لتجتمع فيه شروط الرياسة والسياسة فيسرعوا إلي طاعته برياسته ، وتستقيم أمورهم بسياسته .
والنقابة علي ضربين : خاصة وعامة . فأما الخاصة فهو أن يقتصر بنظره علي مجرد النقابة من غير تجاوز لها إلي حكم وإقامة حد ، فلا يكون العلم معتبراً في شروطها .
أما النقابة العامة فيعتبر في صحتها أن يكون ( النقيب ) عالماً من أهل الاجتهاد ليصح حكمه وينفذ قضاؤه "
وقد شرك صاحب النقابة العامة ذا السلطان في سلطانه ، فكانت هذه النقابة حكومة في جوف حكومة كما يقال في هذا الزمان .
ثم درج العباسيون ، وورثهم الوارثون ، وكان من الميراث هذه النقابة والوراث أعاجم استعجم عليهم الأمر فقالوا : نقابة الإشراف .
هذه حكاية تلك الشعبذة وليس في الإسلام خضرة ولا حمرة ، وليس فيه أشراف أو غير أشراف .في الإسلام النقاء والصفاء ، وفيه مسلمون متساوون فيه ، مؤمنون إخوة كما حكم ( الكتاب ) ولا يفضل مسلم مسلماً إلاّ بمساعيه ، إلاّ بفضائل فيه .
وعلي حد قول إسعاف هذا هو الإسلام هذا هو الإسلام الصحيح .
ومن أحب أن يستوضح أمراً أو يحتج علي مسألة مما ذكر فعليه أن يتوجه أولاً لمطالعة هذا الكتاب المشار إليه ، فإن هذه السطور التي نشرت هي مجرد إيماءات لمضمون مفصل .