22
13

منطق قيادة السلطة المقلوب / ياسر الزعاترة

تاريخ النشر : 15 أكتوبر 2015 - 16:36:43 م

لم نكن نخط في الرمل حين قلنا: إن “القنبلة الموقوتة” التي وضعها محمود عباس على طاولة الأمم المتحدة، بحسب تعبير أنصاره ستبقى موقوتة ولن تنفجر، وأنه لن يحلَّ السلطة، ولن يلغي أوسلو، فقد كنا نقرأ بوضوح سلوك قيادة وقفت ضد برنامج المقاومة حين أجمع عليه كل الشعب الفلسطيني وقواه إبان انتفاضة الأقصى، ومن بعده مسلسل خطابها وبرنامجها منذ ذلك الحين ولغاية الآن.

لم يطل الوقت حتى يُمتحن التهديد الذي أطلقه عباس في الأمم المتحدة، فقد جاءت الأحداث التالية خلال الأيام الماضية لتفضح اللعبة، ولتؤكد أننا إزاء قيادة لن تغير برنامجها وخطابها بأي حال مهما كان سلوك الاحتلال على الأرض، ومهما جرى على صعيد المفاوضات وما يسمى الضغط الدولي الذي تعوّل عليه.

من بيان الرئاسة الفلسطينية على خلفية مقتل الشاب في طولكرم، ومرورا بقتل الطفل في مخيم عايدة قرب بيت لحم، وقبل ذلك وبعده، حين جرى التحقيق من قبل أجهزة السلطة مع عضو في خلية القسام التي نفذت عملية إيتمار في المستشفى (قتل خلالها مستوطنان)، ومن ثم مجيء الاحتلال لاعتقاله .. كل ذلك أكد أن شيئا لم يتغير ولن يتغير، وأن السلطة ماضية في خطابها البائس الذي يتحدث عن أن الاحتلال هو من يجرُّ الفلسطينيين للعنف، خلافا لمنطق كل البشر الذي يؤكد ذعر المحتلين من الانتفاضة الثالثة (شدد عباس خلال لقاء مع أعضاء “المجلس العسكري” وقادة الأجهزة الأمنية، مساء الاثنين، على ضرورة اليقظة والحذر، وتفويت الفرصة على ما وصفها بـ”المخططات الإسرائيلية الهادفة إلى تصعيد الوضع وجرّه إلى مربع العنف”!!)، إلى جانب تحميل الأمر، كما في خطاب صائب عريقات التقليدي الممل، لمشكلة الانقسام، كأن الأخير هو الذي يحول دون حصولهم بالتفاوض على الدولة العتيدة كاملة السيادة في حدود 67؛ هم الذين أفضوا زمنا دون انقسام، وقدموا (قدم هو شخصيا) تنازلات مذهلة لأولمرت وليفني قبل ذلك دون جدوى.

يتحدث هؤلاء عن سلوك الاحتلال كأنه هو المشكلة، وليس عرضا لمرض الاحتلال، وأن على الشعب أن يختط سبيل المقاومة، سواء كان هناك استيطان وتهويد، أم لا، وسواء عربد المستوطنون في الضفة أم لم يعربدوا، ما دام ذلك الاحتلال قائما.

إننا إزاء قيادة تغير كل أبجديات الصراع، وتقلب كل التصورات، فتحوّل الفرع إلى أصل من أجل تبريرها خياراتها البائسة في تكريس سلطة تعمل في خدمة الاحتلال، مقابل منحها هياكل دولة بلا مضمون على أقل من 10 في المئة من التراب الفلسطيني، من دون أن يفرض عليها القول: إنها قد تنازلت عن الباقي. وهذا هو جوهر مشروع شارون للحل الانتقالي بعيد المدى، والذي يسميه آخرون الدولة المؤقتة، بينما يفضل نتنياهو تسميته السلام الاقتصادي، والذي على أساسه جيء بعباس رئيسا بعد التمهيد لاغتيال ياسر عرفات عبر تأمين البديل، وبالطبع حين حاول الانقلاب على استحقاقات أوسلو.

في ضوء ذلك، ها نعود إلى المربع الأول، ويبدو أن على الذين احتفلوا بعباس لحظة مجيئه من نيويورك أن يراجعوا أنفسهم ليتأكدوا أن قيادتهم ليست في وارد تغيير مسارها، وأن عليهم أن يأخذوا زمام المبادرة ويلتحموا بشعبهم في مسار المقاومة والانتفاضة الراهن، بدل هذا التيه الذي تعيشه القضية منذ 11 عاما بلا توقف.

ما بين شوق الشارع للانتفاضة، وانخراطه فيها عمليا، وما بين سكوت حركة فتح (كثير من كوادرها التحموا مع شعبهم خلال الأيام الماضية)، مشكلة كبرى، وما لم تغير الحركة مسارها، فإن الوضع سيبقى في مأزقه، لا سيما أن عباس يمضي في اتجاه مزيد من تكريس هيمنته الكاملة على السلطة وفتح والمنظمة، وبالطبع لتأكيد المسار التقليدي البائس ذاته.

على أن الأمل هو أن تكون للشعب كلمته، وذلك بأن يفرض على قيادة فتح تغيير مسارها، عبر مضي جماهيره في برنامج الانتفاضة الذي يساعد كوادر الحركة على التمرد على خط قيادتهم، ولا شك أن من بينهم أناس يريدون ذلك، وإن لم تسعفهم القبلية الحزبية على التمرد على الخط الذي تفرضه القيادة.